Click to set custom HTML
*** مجزوءة الوضع البشري ***
مفهوم الشخص
مقدمة
يعتبر الشخص حاصل جمع السمات المميزة للفرد الذي ما هو إلا كيان سوسيو-سيكولوجي متشابه مع الآخرين.ورغم تعدد وتنوع بل وتعارض الحالات النفسية التي يمر منها الشخص طيلة حياته إلا أن كل واحد منا يحيل باستمرار إلى نفسه بضمير "أنا" بوصفه هوية تظل م طابقة لذاتها على الدوام. غير أن هذه الهوية التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسئلة عديدة.
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟
المحور الأول: الشخص والهوية.
يبدو واضحا أن تحديد هوية الشخص استنادا على المظهر الخارجي للشخص أو حتى على مجموع مميزاته سواء المتعلقة بالجنس والعمر والعمل ...ضربا من ضروب المستحيل لكون كل هذه الاعتبارات متغيرة وبالتالي غير قارة وثابة.ولهذا السبب كانت ضرورة مقاربة هذه الهوية من خلال ما هو قار وثابت في الشخص باعتباره نظاما.
حسب لاشوليي المحدد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وبالتالي تميزه عن غيره. أما وحدته النفسية عبر جل مراحل حياته فهي الضامن لهذه الهوية،لأنهما ليستا نتاجا تلقائيا،بقدر ما أنهما نتاج لآليات ربط وهي آليات نفسية تقوم بمهمة السهر على وحدة الشخص وتطابقه.أولها وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية في مواقفها وردود فعلها تجاه الآخرين.وعلى هذا النحو يرى لاشوليي أن كل من وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية هي ضمان هويتها إلى جانب الذاكرة التي اعتبرها آلية ضرورية لربط حاضر الشخص بماضيه القريب أو البعيد.
أما ديكارت فيذهب إلى تأكيد أهمية الفكر في بناء الشخصية وفهم حقيقتها، فالفكر صفة تخص الذات الإنسانية وهي وحدها لصيقة بها. والتفكير هو الشرط الضروري للوجود .
إذن أساس هوية الشخص هو التفكير الذي يعتبر مناسبة لحضور الذات أمام نفسها وإدراكها إدراكا مباشرا لكل ما يصدر عنها من أفعال والتي تبقى رغم تعددها واحدة وثابتة .
لكن جون لوك يعطي تعريفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل حيثما كان وأنى كان ومهما تغيرت الظروف، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر .
إن مفهوم الشخص حسب جون لوك يتخذ عنده بعدا أخلاقيا /قانونيا، فالشخص الذي يتحدث عنه لوك هو ذاك الكائن المفكر الذي يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وبالتالي يكون عن طريق الوعي مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب جون لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يدرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هو هو رغم ما يلحقه من تغير . والذاكرة التي هي امتداد للشعور عبر.
المحور الثاني:الشخص بوصفه قيمة.
لا يختلف اثنان عن أن الإنسان كائن مميز بين كل الكائنات الأخرى ،فهو الكائن لأكثر جدلا كما جاء في القرآن الكريم(ولقد صرفنا في هذا الكتاب من كل شيء وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) وميزته تكمن في مدى بعده القيمي الذي حظي به.
لكن أين تكمن قيمته؟هل تكمن في كونه غاية أم أنه لا يعدو يكون مجرد وسيلة؟
في هذا الصدد يختزل مونييه تصوره للشخص ككيان يتميز بالإرادة والوعي والتجاوز بخلاف الأشياء الخارجية أو الموضوعات التي هي كائنات متطابقة كليا مع ذاتها.وهو يكتسب باستمرار سمات شخصيته ويغنيها عبر عملية التشخصن.فالشخص ليس معطى نهائيا ناجزا بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة.
يذهب كانط إلى تأكيد أهمية الشخص كذات لعقل أخلاقي عملي، يعامل الآخرين لا كوسائل يحقق من ورائها أغراضه الخاصة، وإنما كغايات ب ذاتها. فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة عن باقي الكائنات الأخرى بامتلاكه لملكة الفهم، وقد استطاع أن يرسم لذاته غايات وأهدافا مشروطة بنداء الواجب الأخلاقي .فيمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان أو الذات البشرية هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويمتلك بذلك كرامته الإنسانية .
أما هيجل فيكشف عن القيمة الأخلاقية للشخص التي لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل وانطلاقا من المكانة التي يحتله ا داخل الجماعة التي ينتمي إليها عليه الالتزام بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت له ... إنها دعوة للانفتاح على الواقع والآخرين من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير والتأثر ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي .
فالشخص يكتسب قيمته الأخلاقية حسب هيجل عندما يعي ذاته وحريته وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.
المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية.
إذا كانت قيمة الشخص تكمن في بعده العملي الأخلاقي أكثر من أي شيء آخر، فهل يعتبر الشخص كيانا حرا مستقلا عن أي إلزام أو إكراه، أم أنه خاضع لضرورات وحتميات لا سبيل لديه للانفلات من رقابتها؟
يرى ديدرو أن الشخص لا يملك الحرية،وأن هذه الأخيرة لا معنى لها لأن الموجه الفعلي لأعمالنا هي الأسباب الفيزيائية الخارجة عن ذواتنا التي ترغمنا للضرورة وليست الحرية.وعلى هذا النحو تكون أفعالنا نتاجا لعاداتنا الأمر الذي يجعلنا نخلط بين الإرادة والحرية.فليست الحرية ما يميز بين الناس،بل إن ما يميز بينهم هو الإحسان أو الإساءة،وهما طبعان لا يمكن تغييرهما لدى الإنسان.
ويذهب سبينوزا إلى اعتبار أن ما يميز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى،هو سعيه للحفاظ على بقائه واستمراره،وهو سعي يتأسس على الإرادة الحرة.وليست الحرية هنا بمعنى الجواز،بل إنها تقترن بالفضيلة والكمال،وليس بالعجز أو الضعف،وفق ما تقتضيه قوانين الطبيعة الإنسانية من قدرة على استخدام العقل للتمييز بين الخير والشر،وتفضيل الأول على الثاني.أما سارتر فينطلق من تقرير أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، فالإنسان في نظره مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل ينفتح على العالم وعلى الآخرين . فان ذل هذا فإنما يذل عن مدى قدرته على موضعة ذاته في المستقبل.
فماهية الإنسان لا تتحدد حسب سارتر إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته وعلاقاته، يوجد
أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية. إنه شخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات .
خاتمة:
وكتخريج عام يلاحظ أن التصورات الحديثة ركزت على اعتبار الشخص ذاتا
مستقلة،ومتميزة،ينظر إليها كغاية في ذاتها وكحرية،وليس كبضاعة أو وسيلة
وذلك في مقابل التصورات التشييئية للشخص التي كانت انعكاسا لمخلفات
الرأسمالية الامبريالية
مفهوم الغير
المحور الأول: وجود الغير
الغير موجود لكن الاختلاف يكمن في كيفية إدراك وجوده. فقد يدرك كشيء مثل بقية الأشياء باستعمالنا للحواس والعقل، وقد يدرك كذات عبر ما يشكل ذاتيتنا.
وستعكس مواقف الفلاسفة اختلاف الغير عن الشيء وصعوبة إدراكه ومعرفته بالوسائل التقليدية.
ميرلوبونتي: يصعب على الفهم العلمي للعالم والذي يقدم نفسه كفهم موضوعي أن يفهم ويعرف الغير.
فالغير ليس مجرد شيء. إنه مزدوج التكوين: فهو جسد ووعي في نفس الوقت.
فالعلوم تتطرق للجسم أي الشيء وتعجز عن الوصول للوعي المختبئ داخل اللحم النيئ حسب تعبير ميرلوبونتي.
ويقود هذا الوضع المزدوج إلى التمييز بين مكوني الغير:
- فهو وجود في ذاته (جسم) ووجود من أجل ذاته (وعي).
وتنتج عن هذا الأمر مفارقة صعبة فلكي أحدد وجود الغير علي أن أتعامل معه كشيء (وجود في ذاته) وكوعي (وجود لذاته). وهذا ما يعجز عن فعله الفكر العلمي الذي يتميز بالموضوعية: يعجز عن الاعتراف بالغير باعتباره تعددا للوعي. كيف يمكنه أن يعترف بوجود ما هو متعدد ومتغير ولا يخضع للتعميم والتقعيد؟؟
- إذن يود الغير كأنا وكوعي وليس كجسم أو شيء.
يقول ميرلوبونتي: "لا يمكنني النفاذ إلى الغير إلا لكونه أنا. ولأن المفكر والمفكر فيه يختلطان داخل الغير، فلا مكان للغير ولتعددية الوعي في الفكر الموضوعي".
سارتر: يوجد الغير كأنا آخر كما يوجد كوسيط بيني وبين ذاتي.
في الحالة التي يوجد فيها الغير كأنا آخر، فهو يوجد خارجي رغم أن له أنا مثلي، لهذا أدرك وجوده كموضوع كما أبدو له أنا أيضا كموضوع.
لكن الغير يقوم بدور مزدوج: سلبي وإيجابي: فهو يمكنني من معرفة ذاتي عبر تمكيني من اكتساب تجارب لا أستطيع اكتسابها بدونه مثل تجربة الخجل أو الكبرياء.... لكنه في نفس الوقت يحد ممن حريتي لأنني اكتشف أن خجلي لا معنى له إلا أمامه وبسببه.
المحور الثاني: معرفة الغير
تتراوح معرفة الغير بين الإمكان والاستحالة. فإذا انطلقنا من الغير كذات مغلقة فلا يمكن آنذاك معرفته، لكن إذا انطلقنا من الغير كعنصر داخل الجماعة ونتيجة لهذه الجماعة فيمكن آنذاك معرفته. لكن طبيعة هذه المعرفة تظل موضع إشكال. فمعرفته من زاوية التحليل النفسي مثلا ممكنة لكن إلى حد يمكن أن تكون معرفة حقيقة؟
بيرجي: التجربة الذاتية هي الوجود الحقيقي للغير، وهي تجربة مغلقة لا تقبل النقل إلى الآخرين. فالذات هي عبارة عن حميمية وسجن وعزلة ووحدة وعالم سري. لهذا فذاتي موصدة أمام الغير وذات الغير موصدة أمامي. وكمثال على ذلك تجربة الألم: فألم الغير يؤكد انفصاله عني وانفصالي عنه، فحينما يتألم صديق لي أواسيه، لكنه مع ذلك يتألم وحده وهي تجربته الشخصية وليست تجربتي. نحن نتألم لأسباب مختلفة وبدرجات متفاوتة.
مالبرانش: الغير هو عالمه الداخلي الروحي النفسي العقلي وليس جسمه. لذلك لا يمكن أن أعرفه عن طريق العقل والوعي لاختلافه عني. وإذا افترضنا أن نفوس الآخرين وعقولهم تشبه نفوسنا وعقولنا واستنتجنا من ذلك أن ما نشعر به هو ما يشعرون به أي عبر المماثلة فإننا سنرتكب خطأ كبيرا.
لذلك لا مكن للذات أن تعتبر نفسها مقياسا لمعرفة الغير.
ميرلوبونتي: أعرف الغير عبر سلوكاته (مثل الحزن والغضب) كما تظهر على جسده بشكل خارجي عبر يديه ووجه، لأنني لا يمكنني أن أنفذ إلى تجربته الداخلية. لهذا لا يمكنني أن أعتبر هذه السلوكات الخارجية أساسا لمعرفة الغير لأن الغير لا يختزل إلى سلوكاته الخارجية: فأنا أدرك حزنه كما يظهر على جسده، إلا أن حزنه ليس هو مظهر حزنه، كما أن معنى حزنه عنده ليس هو معنى حزنه عندي.
فهو يعيش حزنه، بينما أنا أشاركه الحزن الذي يعيشه، هو يحزن لسبب محدد بينما أنا أحزن لحزنه.
نحن مختلفان لكن ما يجمعنا هو المشترك، التجربة المشتركة وهي ليست وضعيته ولا وضعيتي وإنما وضعية ثالثة.
تمرين: هل الصداقة تمكن من معرفة الغير؟
يقول القديس أوغسطين: "لا نعرف جيدا إلا من نحبه"
يقول سانت إكزيبيري: "لا نرى بشكل جيد إلا عن طريق القلب، الأساسي لا تراه العين".
-نعم: -الصداقة تمكن من معرفة حميمية بالغير – الصداقة تمكن من الحصول على معارف يقينية من الغير – الصداقة تمكن من الحديث بحرية وبدون أحكام مسبقة – الصداقة تستند لى الاحترام
لا: الصداقة لا تخلو من المنفعة – ليست الصداقة هي أساس معرفة الصديق بشكل يقيني وإنما طول المدة معه – الصداقة لا ترتبط بشخص الصديق بصفاته الإيجابية – الصديق يتغير وبالتالي معرفتنا به تتغير أيضا
المحور الثالث: العلاقة مع الغير
قد تكون العلاقة مع الغير صراعية وقد تكون إيجابية ودية. فالغير قد يكون منافسا وقد يكون صديقا.
كانط: "الصداقة هي اتحاد بين شخصين يتبادلان الحب والاحترام" وهي "عاطفة متبادلة بين شخصين أساسها الاحترام وخالية من الجنس" كتعريف عام.
لا يجب أن تقوم الصداقة على المنفعة، بل يجب أن تقوم على الواجب الأخلاقي الذي أساسه الاحترام.
الحب بين الصديقين: قوة جذب
الاحترام بين الصديقين: قوة تباعد
أي: الصديق ينصح الصديق (حب)، والصديق يخطئ في حق الصديق (إخلال بالاحترام) والصداقة لا تقوم على المنفعة (البقاء مع الصديق وتحمله).
أوجست كونت: يحيى الإنسان من أجل الغير لأنه لا يوجد في هذا العالم إلا بفضل الإنسانية التي منحته كل ما يملك. ومهما فعل من أجلها لن يستطيع أن يرد لها جزءا ضئيلا مما أسدته له.
يقول: "يحيى الإنسان من اجل الغير، لأنه يحيى بفضل الغير"
الغيرية هي أساس وجود الإنسان واستمراريته الوجود، وأساس الغيرية هو التعاطف وليس الصراع أو الإقصاء أو الحقد.
كريستيفا: الغريب لا يوجد خارجنا. ليس هو العدو الذي يأتينا من خارج مجتمعنا. الغريب هو قدرتنا على النظر إلى أي إنسان كغريب، إنه موقف يوجد فينا، الغريب يسكننا. هو ما يجعلنا ننظر حتى لأعضاء جماعتنا كغرباء لأننا لا نقبل الاختلاف. وهكذا فاختزال الغريب إلى من لا يملك مواطنة البلد الذي يقيم فيه أمر سطحي.
مفهوم التاريخ
التأطير الإشكالي لمفهوم التاريخ:
ليس الإنسان كالحيوان يعيش لحظته الحاضرة ضمن دائرة
زمانية مغلقة ومحدودة انه يتمتع بقدرة على تمثل ماضيه واستيعاب حوادثه
وذلك ليحسن قيادة مصيره ومستقبله.
إن التاريخ يتدرج تحت لواء العلوم الانسانية ويختص في دراسة الانسان في
ماضيه ويتأثر هدا الماضي فيه ولم تتسن له هذه الدراسة إلا باكتشاف الكتابة
التي جعلت الانسان ينتصر على النسيان والزمن وكذلك الموت وأصبح بمقدوره أن
يدون خبراته وأن ينقلها من جيل لآخر ومن مكان لآخر ومن عصر لآخر.فامتدت
الجسور بين الأجيال والأزمنة.
إن مفهوم التاريخ يشكل بعدا أساسيا من أبعاد الوجود البشري. فالإنسان لا
يوجد بوصفه شخصا فقط ولا يوجد في علاقة تفاعلية مع غيره فقط بل وجود
تاريخي متعين في الزمان والمكان وجود تاريخي يصنعه الإنسان غير أن هدا
الوجود يصنع الإنسان أيضا.وتتولد عن هذه المفارقة في الوجود التاريخي
للإنسان الإشكالات التالية:
كيف يمكن أن تكون معرفتنا بالتاريخ معرفة علمية وموضوعية؟
هل تفيدنا هذه المعرفة في الكشف عن منطق التاريخ وسيرورته؟
هل الإنسان فاعل تاريخي وصانع له أم أنه خاضع له؟.
المعرفة التاريخية
إشكالية المحور.
كيف يمكن أن تكون معرفتنا بالتاريخ معرفة علمية وموضوعية؟
إذا كانت المعرفة التاريخية تسعى إلى تحديد معالم الماضي
باعتباره مجموعة من الوقائع التي حصلت في زمان ومكان محددين فإن استحضار
هذا الماضي ليس عملية سهلة لأن ذلك يقتضي توفر منهج خاص يعيد بناء الظاهرة
التاريخية انطلاقا من الوثائق التاريخية ولكن مع ذلك يضل بناء معرفة دقيقة
بالماضي يواجه عائق المسافة الزمنية التي تفصل الماضي عن الحاضر والتي
تجعل إدراك معاني ودلالات سلوكات وإنجازات الذين عاشوا قبلنا عملية صعبة
مما يتطلب استعدادا ذهنيا خاصا واحتياطا منهجيا كفيلا.
إن موضوع المعرفة التاريخية إذن يطرح إشكالية منهجية تتعلق أساسا ببناء المعرفة التاريخية وما تطرحه من صعوبات منهجية وهذا هنري مارو الذي يجعل المعرفة التاريخية هي معرفة علمية منظمة وصارمة ومخالفة لأي معرفة أدبية وطوباوية وأسطورية....لأنها معرفة خاطئة ومزيفة.
ولكن في مجال المعرفة التاريخية لا وجود لماضي خالص فكل ماض هو ماض مستحضر فقط فحسب ريمون ارون
المعرفة التاريخية هي إعادة لماضي انقضى وجوده ولا يمكن للمعرفة به أن
تكون إلا معرفة مبنية عبر بحث وتنقيب وتحقيق بواسطة الوثيقة والمؤرخ
ولكنها ليست أحداثا عشوائية بل منظمة ومعقولة ولكن رغم ذلك تبقى دائما
معرفة بعدية وجزئية ومؤقتة.إن معنى الماضي لا يتولد إلا في إطار علاقة
نقدية تباعديه تحاول ما أمكن الاقتراب من الماضي غير أنها لا تدركه بصفة
نهائية لهذا تبقى معرفة نسبية وهذا ما جهل غاستون غرانجي ينظر إلى المعرفة
التاريخية كإعادة لبناء الماضي فقط وكإديولوجيا لم ترق بعد إلى مستوى
المعرفة العلمية الموضوعية.
التاريخ وفكرة التقدم
إشكالية المحور.
هل تفيدنا هذه المعرفة في الكشف عن منطق التاريخ وسيرورته؟
يقود التاريخ من حيث هو تسلسل للأحداث الماضية إلى
تساؤلات عن منطق التاريخ هل هو تقدم أم تكرار؟هل هو تقدم محكوم بضرورة أم
أنه يسير تحت رحمة الصدفة؟
إن فكرة التقدم تفرض علينا الوقوف عند هيجل الذي يرى التاريخ ليس بمثابة
ساذج لما يقدمه رواة الأحداث وليس أيضا تاريخ نظري يريد تفسير الوقائع
واستخراج العبر والدروس من الماضي بل إن التاريخ الحقيقي هو التاريخ
الفلسفي الذي يهيمن على الوقائع وينظر إليها من وجهة نظر غير مقيدة
بالزمان ذلك أن العقل هو جوهر التاريخ والعقل يحكم العالم ولهذا يرى هيجل
أن كل حدث من أحداث التاريخ إنما جرى وفقا لمقتضيات العقل.ومن هنا
فالتاريخ تطور ونمو لمنطق باطن لم تكن الشخصيات التاريخية غير أدوات
لتحقيقه دون شعورها بذلك.
إن التقدم التاريخي يحكمه منطق المتناقضات والاصطدامات والحروب والثورات
التي تؤدي إلى وضع للأمور أصدق وأفضل أما فترات الهناء والرخاء والسلام
والخلو من التناقض فهي ليست عصورا تاريخية. فالتاريخ الكلي هو تقدم الشعور
بالحرية. غير أن المادية التاريخية التي قد عد قواعدها كارل ماركس و انجلز
تنتقد هذا التصور المبني على صيرورة مثالية مجردة وتفسر أحداث التاريخ على
أساس العوامل المادية وحدها وهي ترجع أساسا إلى عوامل اقتصادية ف ماركس
وانجلز ينظران للتاريخ وللمجتمع على أنهما مسارح لعمليات تجرى وفقا لمنهج
الديالكتيك إن التحول من الموضوع إلى نقيض الموضوع ليتألف منهما في مرحلة
ثالثة مركب موضوع.
إن التاريخ هو عملية حركة وتغير من النقيض إلى النقيض يقول ماركس و انجلز
إن التصور المادي للتاريخ وتطبيقه الخاص على صراع الطبقات في العصر الحديث
بين البروليتاريا والبرجوازية ليسا ممكنا إلا بفضل الديالكتيك إن التاريخ
عموما حسب ماركس يتقدم بين قوى الإنتاج وينتهي هذا التناقض بميلاد مجتمع
جديد وبالتالي تاريخ جديد وحتى ريمون ارون نفسه
ينظر للتاريخ كتقدم نحو الأمام وذلك من خلال الاحتفاظ بنشاطات الجيل
السابق وتجديدها إنه تقدم يحكمه النشاط الإنساني المتراكم والمتسم بالطابع
العلمي.
ولكن كلود ليفي ستراوس وجه انتقادا حادا لفكرة التقدم
فالقول بما يعني قبول تصنيف وترتيب يسلم بهيمنة النموذج الغربي وبكونية
تكذبها الأنثروبولوجيا.فالمجتمعات ليست مطابقة بإتباع نفس المسار التطوري
الخطي بدعوى ضرورة التقدم لأن هذا الأخير لا يكون دائما منظما ومتواصلا بل
إن التاريخ والإنسانية جمعاء لا تشبه في تقدمها مطلقا الفرد الذي يصعد
سلما حيث يضيف في كل حركة من حركاته خطوة جديدة لتلك التي حققها.بل تشبه
لاعب النرد الذي يتوزع حضه على مجموعة من المكعبات التي يراها كلما قام
برميها مبعثرة على السجاد ومؤدية إلى حسابات مختلفة.فتراكم التاريخ لا يتم
سوى من فترة إلى أخرى وفق الطفرات والقفزات التي ينضاف بعضها إلى البعض
لكي تشكل تركيبة ملائمة.
دور الإنسان في التاريخ
إشكالية المحور
ماهو دور الإنسان:هل الإنسان فاعل تاريخيي؟بمعنى هل هو صانع للتاريخ أم خاضع له؟
يمكن اعتبار التساؤل عن دور الإنسان في التاريخ
استمرارا للتساؤل عن منطلق التاريخ بصيغة أخرى. فالتاريخ هو أحداث ووقائع
تقف ورائها اختيارات وقرارات.فهل يعني هذا أن الإنسان فاعل تاريخي حقا؟.
...فهناك التصور الهيجلي
الذي يرى أن الإنسان مجرد وسيلة في يد الضرورة أو بالأصح في يد العقل أو
الروح الموضوعي الذي يوجهه ليحقق غايته حتى لو كان هذا الإنسان
عظيما.فالعظيم يصنع التاريخ بقدر ما يصنع التاريخ هذا العظيم.
وإذا نظرنا إلى تصور سارتر
للتاريخ لوجدنا أن التاريخ في رأيه إنها هو قصة تسجيل الفعل البشري لذاته
في صميم الواقع المادي وحينما يتحدث سارتر عن الممارسة أو البراكسيس فهو
يعني به كل نشاط بشري هادف أو كل فاعلية إنسانية ذات دلالة. فالإنسان هو
الوجود الذي يملك
إمكانية صنع التاريخ ولا تظهر هذه الإمكانية إلا
بظهور العملية الديالكتيكية ومعنى هذا أن التاريخ لم يبدأ إلا حينما جاءت
بعض الأحداث غير المتوقعة فعملت على التي عملت على إظهار ضرب من التصدع في
حياة الناس ومن تم فقد تسببت في حدوث ضرب من التناقض وحينما حاول البشر
العمل على تجاوز هذا التناقض خلقوا مؤلفا جديدا كان من شأنه تغيير عللهم
وهكذا يظهر التاريخ إلى عالم الوجود.والحق أن أهم سمة تميز الإنسان في رأي
سارتر هي قدرته على تجاوز أي موقف كائنا ما كان ولهذا يؤكد سارتر أن البشر
لا يصنعون تاريخهم إلا بفضل عملية التجاوز المستمرة التي تسمح لهم
بالامتداد إلى ما وراء ظروف حياتهم فالأحداث البشرية في رأي سارتر لا تقع
نتيجة لأي مخطط خارجي سابق كما أنها لا تندرج مطلقا تحت أي نظام محدد أو
مقدر سلفا وكأن تفسيرها قائم منذ الأزل في لوح محفوظ ولكن المفكر والسياسي
الإيطالي ميكيافلي
يرى عكس ذلك فهو يقول بأن الأحداث التاريخية يحكمها القضاء والقدر وأن
الأمور تجري وفقا لمشيئة الحظ غير أنه لا يتوقف عند هذا الحد فالإنسان
بدوره قادر على تغيير ومواجهة هذا القدر بفضل إرادته القوية وهكذا
فمكيافلي يربط التاريخ والأحداث بمكونيين أساسيين هما الإنسان والقدر
*** مجزوءة السياسة ***
مفهوم الدولة
تقديـم إشكالـــي :
بما أن السياسة هي السعي إلى امتلاك السلطة و فرض الطاعة و تدبير الشأن العام و تنظيم العلاقات بين الأفراد بواسطة هيئات و مؤسسات تستخرها لذلك و بما أن السياسة ترتبط بالدولة باعتبترها أعلى سلطة فمن أين تستمد الدولة إذن مشروعيتها؟ هل من الحق أم من القوة؟ وهل تنحصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم تشمل المجتمع ككل؟و كيف تمارس سلطتها ؟ هل باعتماد العنف و البطش أم باعتماد القانون و الحق؟ و ماهي طبيعة العلاقة بين القانون و العدالة ؟ هل ترتبط العدالة بالحق الطبقي أم بالحق الوضعي؟ هل العدالة أساس الحق أم الحق أساس العدالة؟ هل تستطيع العدالة تحقيق المساواة و الإنصاف لجميع أفراد المجتمع ؟
مشروعية الدولة و غاياتها:
من أين تستمد الدولة مشروعيتها و ماهي غاياتها؟
نص : ماكس ڦيبر:
إشكال النص: ماهي الأسس التي تستمد منها الدولة مشروعيتها ؟
أطروحة النص : يحدد ماكس ڦيبر ثلاثة أسس تستمد منها الدولة مشروعيتها : مشروعية مستمدة من سلطة الماضي أي السلف .
البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض والتفسير و التميز بالإضافة إلى التأكيد و الإثبات حيث يؤكد أن الدولة تستمد مشروعيتها من ثلاثة أسس )الماضي، كاريزمية الحاكم، و الشرعية القانونية (.
نص : طوماس هوبس :
الإشكال : كيف نشأت الدولة و ما هي غاياتها ؟
أطروحة النص: يؤكد طوماس هوبس أن نشأة الدولة نتيجة لميثاق و تعاقد إداري حر بين الأفراد تم بمقتضاه تنازلهم عن بعض حقوقهم الطبيعية و حريتهم المطلقة مقابل تحقيق الأمن و استقرارهم و ضمان حريتهم من طرف شخص أو مجلس يجسد إرادات الجميع ينظم شؤونهم و يضمن السلم و الامن و يحافظ على حقوق الجميع و يشترط فيه أن يكو ن قويا مستبدا كالتنين حتى لايجرؤ أي أحد على خرق الميثاق المتعاقد عليه و عصيان أوامره خشية منه ، وبذلك نشأت الدولة بهدف ضمان الأمن والإستقرار و السلم.
البنية الحجاجية: يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية التأكيد و الإثبات و المقارنة بين حالة الطبيعة المتوحشة حيث سيادة الخوف و العنف و حالة التمدن حيث سيادة القانون و الأمن و الإستمرار.
نص: باروخ سبينوزا:ماهي غاية الدولة و مقاصدها؟
أطروحة النص: يؤكد سبينوزا أن غاية الدولة القصوى هي تحرير الأفراد و الحفاظ على أمنهم و تمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية و حمايتهم من كل أشكال العنف و التسلط و تنمية قدراتهم الجسدية و الذهنية شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين و الإمتثال لسلطة الدولة و عدم الخروج عن التعاقد و المواثيق المتفق عليها و يشترط في هذه الدولة أن تكون ديموقراطية تضمن العدل و المساواة و الحرية للجميع و تحافظ على الأمن و السلم.
البنية الحجاجية: يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التفسير و التوضيح و التأكيد و الإثبات فهو يؤكد على أن الهدف الأساسي للدولة و الغاية من نشأتها هو تحرير الناس من خوفهم و ضمان أمنهم و حريتهم و الحفاظ على حقوقهم و تحقيق العدل و المساواة فما هي إدن طبيعة السلطة و مرتكزاتها و ما هي طبيعة السلطة السياسية؟
طبيعة السلطة السياسية:
ماهي طبيعة السلطة السياسية ؟ و ماهي أسسها و مرتكزاتها؟
نص: مونتسكيو:
الإشكال: ما هي أنواع السلط ذاخل الدولة و ما هي طبيعة العلاقة بينهما؟
أطروحة النص: يبين مونتسكيو أن الدولة الحديثة تتوزع فيها السلط إلى ثلاثة أنواع:
سلطة تشريعية: تشرع القوانبن أو تعدلها أو تبطلها.
سلطة قضائية: تنظر في الخلافات بين الناس و تسهر على ضمان حقوقهم.
سلطة تنفيدية: تقوم بتنفيد القوانين و تطبيقها ، ويشترط مونتسكيو لضمان أسس الدولة و استمراريتها و للحفاظ على حقوق المواطنين الفصل بين هذه السلط و استقلالية كل منهما عن الآخر لأن احتكارها من طرف شخص أو مؤسسة يهدد استمرار الدولة و أمنها كما يهدد حقوق المواطن .
البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التفسير و التوضيح .
الإشكال: هل تنحصر السلطة في مؤسسات و بنيات أم أنها تتخلل جميع مجالات المجتمع ؟
أطروحة النص: ينتقد فوكو التصور الذي يحصر السلطة في مؤسسات و بنيات ليؤكد أن السلطة ملازمة لعلاقات القوى المتعددة ذاخل المجتمع فهي تعم جميع مجالاته و بذلك فهي مجموع استراتيجيات معقدة داخل المجتمع.
استنتاج تركيبي: إدا كان مونتسكيو قد انطلق من تحديد أنواع السلط التي تتوزع داخل المجتمع و حددها في ثلاثة أنواع: السلطة التشريعية، التنفيدية و القضائية و أكد على أن العلاقة بين هذه السلط يجب أن تكون علاقة انفصال و استقلال ضمانا لأمن الدولة و حقوق المواطن لأن احتكار هذه السلط يؤدي إلى الطغيان و تدمير الدولة و تهديد أمن المواطن لذلك فالسلطة في رأيه تتجسد في مجموعة من المؤسسات و الهيئات ) المحاكم ، الشرطة، الجيش.......(أما بالنسبة لفوكو فهو ينطلق من منظور سياسي اجتماعي ليفند و ينتقد هذا التصور و ليؤكد خلافا لذلك أن السلطة لا تنحصر في مؤسسات و هيئات و بنيات بل تتجسد في مجموع العلاقات بين القوى المتصارعة داخل المجتمع و في جميع مجالاته فهي وضعية استراتيجية معقدة فمن أين تستمد الدولة سلطتها إدن و تمارسها هل اعتمادا على القوة و العنف أم على الحق و القانون؟
الدولة بين الحق و العنف:
كيف تمارس الدولة سلطتها ؟ هل استنادا إلى القوة و العنف أم الحق و القانون؟
الإشكال: ما هي الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها الدولة لتمارس لسطتها و تحافظ عليها؟
أطروحة :يؤكد ماكياڦيل أن السياسة هي مجال الصراع بين الأفراد و الجماعات مما يؤدي إلى اللجوء إلى جميع الوسائل المشروعة و غير المشروعة فالحاكم أو الأمير يجب أن يكون على أهبة الإستعداد لتوظيف جميع الأساليب، فعليه أن يكون قويا كالأسد و ماكرا كالثعلب حسب مقتضيات الظروف و مجريات الأحداث، كما يمكنه أن يلجأ إلى القوانين و الأخلاق إدا كان ضمان السلطة يتطلب ذلك، و هكذا تصبح جميع الوسائل مباحة لضمان السلطة و ممارستها فالغاية تبرر الوسيلة.
نص: فريديريك انجلس:
الإشكال: هل يمكن اعتبار الدولة نتاج للصراع الطبيعي و هل تمثل الطبقة المسيطرة؟
أطروحة: ينطلق أنجلس من منظور مادي تاريخي ليبين أن الدولة ليست مفروضة من طرف سلطة خارج المجتمع، بل هي نتيجة للصراع الطبقي داخله فهي تعبير عن تضار ب المصالح بين الطبقات الاجتماعية ووجود الدولة ضرورة للتخفيف من حدة هذا الصراع و الحفاظ على النظام إلا أن الدولة تجسد مصالح الطبقة السائدة المهيمنة القوية اقتصاديا و سياسيا، مما يجعلها تلجأ إلى أساليب القمع و الإضطهاد و الإستغلال للحفاظ على داتها و استمراريتها
استنتاج: إذا كان ماكياڦيل قد اعتبر أن السياسة مجال للصراع من أجل السلطة و بالتالي فالحفاظ على هذه السلطة و ممارستها يحتم على الأمير أو الحاكم أن يلجا إلى جميع الأساليب و الوسائل المشروعة أو غير المشروعة فعليه أن يختار الأسلوب المناسب لكل ظرف كالقوة و العنف و الحكم و الخداع و الحق و القانون لأن الغاية تبرر الوسيلة.
-أما أنجلس فإنه قد انطلق من تصور تاريخي مادي ليبين كيف أن الدولة هي وليدة الصراع الطبقي و أن وجودها يحتمه الحفاظ على النظام و التخفيف من حدة هذا الصراع إلا أن الدولة تظل مجسدة لمصالح الطبقة السائدة المهيمنة التي تملك وسائل الإنتاج و أن زوالها مشروط بزوال الطبقات الإجتماعية و تحقيق المساواة و العدل و الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج.
مفهوم العنف
المحور الأول: أشكال العنف.
إن العنف واقعة أساسية في تاريخ المجتمعات البشرية، وهو يعتمد على تقنيات ووسائل مختلفة، كما يتخذ أشكالا متعددة.
من هنا يمكن صياغة إشكال هذا المحور من خلال التساؤلات التالية: ما هي طبيعة العنف؟ وما هي أشكاله ومظاهره؟ وهل ينحصر العنف في مظاهره المثيرة كالحروب أم أنه قد يوجد على نحو خفي وكامن؟
1- موقف ميشو: تكنولوجيا العنف المادي وأشكاله.
يمكن الحديث مع إيف ميشو YVES MICHAUD عن أشكال مختلفة من العنف المادي التي ميزت المجتمعات البشرية في القرن العشرين؛ كالحروب والإبادات والاضطهاد ومعسكرات الاعتقال والإجرام وغير ذلك. وقد ساهمت التكنولوجيا في تطوير وسائل العنف المادي؛ حيث عملت التجارة الدولية للأسلحة على نشر وسائل العنف وجعله أكثر تخريبا وفتكا، وفي متناول كل الأفراد والجماعات. كما ساهم التقدم التقني في تطوير الآلات والأسلحة المستخدمة في العنف، مما جعل هذا الأخير مختلفا عما كان عليه في السابق، سواء من الناحية الكمية أو من الناحية الكيفية والنوعية.
ويشير ميشو أيضا إلى ارتباط العنف المادي بوسائل الإعلام التي أدت إلى انتشاره والإخبار عنه.
وإذا كان الطابع المادي للعنف يجعله ملموسا وظاهرا للعيان، فإنه يمكن الحديث مع بيير بورديو عن شكل آخر للعنف أكثر خفاء ولطفا.
2- موقف بيير بورديو: طبيعة العنف الرمزي ووسائله.
يتحدث بيير بورديو عن العنف الرمزي الذي هو عنف غير فيزيائي، يتم أساسا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والإيديولوجيا، وهو شكل لطيف وغير محسوس من العنف، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياهم أنفسهم. وينتقد بورديو الفكر الماركسي الذي لم يولي اهتماما كبيرا للأشكال المختلفة للعنف الرمزي، مهتما أكثرا بأشكال العنف المادي والاقتصادي. كما أشار بورديو إلى أن العنف الرمزي يمارس تأثيره حتى في المجال الاقتصادي نفسه، كما أنه فعال ويحقق نتائج أكثر من تلك التي يمكن أن يحققها العنف المادي أو البوليسي.
إن العنف الرمزي يمارس على الفاعلين الاجتماعيين بموافقتهم وتواطئهم. ولذلك فهم غالبا ما لا يعترفون به كعنف؛ بحيث أنهم يستدمجونه كبديهيات أو مسلمات من خلال وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية وأشكال التواصل داخل المجتمع. ومن هذه الزاوية يمكن، حسب بورديو فهم الأساس الحقيقي الذي تستند إليه السلطة السياسية في بسط سيطرتها وهيمنتها؛ فهي تستغل بذكاء التقنيات والآليات التي يمرر من خلالها العنف الرمزي، والتي تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وبفعالية أكثر، خصوصا وأن هناك توافقا بين البنيات الموضوعية السائدة على أرض الواقع وبين البنيات الذهنية الحاصلة على مستوى الفكر.
هكذا يتبين أن العنف يتخذ شكلين رئيسيين؛ الأول هو العنف المادي الذي حدثنا إيف ميشو عن مظاهره المختلفة، والثاني هو العنف الرمزي الذي بين بورديو بعض وسائله ومدى فعاليته في تثبيت دعائم الدولة والسلطة السياسية. من هنا يبدو أنه من المستحيل الحديث عن مجتمعات إنسانية خالية من العنف؛ فهو ظاهرة أكيدة في تاريخ المجتمعات البشرية.
المحور الثاني : العنف في التاريخ
اشكال المحور :كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟ وما دوره في التاريخ؟
أطروحة كارل ماركس:
إن تاريخ أي مجتمع من المجتمعات الى حد الساعة هو تاريخ الصراع، الصراع بين الطبقات، بين من يملكون وسائل الانتاج والخيرات وبين من لايملكونها أو بعبارة أخرى صراع بين المضطهدون والمضطهدون هدا الصراع يخترق تاريخ المجتمع البدائي الى المجتمع الرأسمالي، وقد تؤدي الحروب القائمة خفية كانت أو معلنة فردية أو جماعية الى تغيير جدري للمجتمع برمته أو تحطيم الطبقتين معا.
ويؤكد ماركس أن المجتمع البورجوازي الحديث الدي قام على أنقاض المجتمع الاقطاعي، لم يكذتمكن من القضاء على الصراع الطبقي بل زاد من حدثه من خلال خلق طبقات جديدة وظروف جديدة للاستغلال والاضطهاد، ومن مميزات المجتمع البرجوازي تبسيط الصراعات والتعارضات بين الطبقات، اد أصبحنا أمام طبقتين متعارضتين تع ارضا كليا هما البورجوازية والبرولتاريا.
في نظره عن اللامساواة ان العنف(الصراع) في نظر ماركس هو المحرك للتاريخ ومن هنا يبرز الدور الدي يقوم به الأفراد في صناعة التاريخ، هدا العنف الدي ينتج بين مالكي وسائل الانتاج. وبين من لايملكونها.
أطروحة روني جيرار:
يرى جيرار أن المحاكاة سمة عامة للعقل البشري حيث يقلد بعضنا أعمال البعض ودلك عبر رغبتنا في نفس الشسء ودخولنا في صراع. وعندما تدخل العداوة مرحلة مرحلة التقليد المتبادل يفقد الأشخاص بشكل مستمر رؤية موضوع رغبتهم، ويركزون بع ضهم على البعض،فلا يرون سمة المحكاة لتلك العملية، لكنهم يتصدرون السلوك العدائي والمؤدي لعدوهم، وهنا نكون أمام عنف مفتوح. ويؤكد جيرار أن العنف القائم بين الأفراد هو نتاج للتنافس وقد لاحظ بأن هناك فرق بين التنافس لدى الحيوان والتنافس لدى الانسان، فالتنافس الجنسي متلا عند الحيوان ينتهي عن طريق فرض علاقات سيطرة، الحيوان الأضعف يخضع للحيوان الأقوى، أما لدى بني الانسان فالناس لايخضعون تلقائيا بل يقومون بأعمال عنف.
أن العنف الانساني عنف معد فهو ينتشر داخل الجماعة من فرد الى فرد وهدا مايسميه جيرار عازمة المحاكاة، والتي يمكن أن تتسبب في مدابح جماعية، كما يدافع عن فكرة العنف وحضوره في جميع المجتمعات والتقافات. حتى البدائية منها، فعلماء المستحتات البشرية يفسرون اختفاء مجموعات بشرية بسبب العنف، فاستمرار الجتمع وبقاؤه مشروط بايجاد الية تحول دون استمرار العنف. فاستمرار المجتمع وقيامه يعود الى الآلية التي يطفيء بها المجتمع نار العنف التي تكوي الجميع ودلك بالتضحية بشخص تنسب له الجماعة جميع المساوئ والشرور وجميع الخروقات التي يعرفها المجتمع، اضافة الى هده الخروقات قد تنسب الجماعة لدلك الشخص الكوارث والأهوال.فيطرح المجتمع دلك الشخص من المجتمع وينفيه أو يقتله، وبعد التعود على هده "اللعبة" تعودا تاما يتم استبدال الضحية البشرية بضحسة من الحيوان يسميها جيرار "كبش الفداء" .
ان صراع الرغبات وتصادمها وتنافسها هو أساس نشأة المجتمعات البشرية، وأن استقرار النظام الاجتماعي وعيش الجماعة في سلام لايتم الا من خلال ايقاف العنف ودلك بالتضحية بضحية (حيوانية او بشرية) يسميها جيرار "كبش الفداء".
المحور الثالث: العنف والمشروعية.
يبدو أن العنف هو ممارسة القوة ضد الآخر. لكن ما يلاحظ هو أن هذه الممارسة قد تتم باسم الحق والقانون. من هنا يتم التساؤل: هل من مبررات معقولة تجعل ممارسة عنفا ما مشروعا؟ وهل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة؟
1- موقف ماكس فيبر: إعطاء مشروعية قانونية لممارسة العنف.
يتحدث ماكس فيبر عن مشروعية العنف المادي الممارس من طرف الدولة، وعن حقها في احتكار هذا النوع من العنف، مستشهدا بتروتسكي الذي يرى “أن كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف”. فالدولة هي التجمع السياسي الذي يحتكر العنف المادي الذي تعطى له الشرعية القانونية، المتمثلة أساسا في المحافظة على النظام الداخلي من جهة، والدفاع عن المجتمع ضد الأخطار الخارجية من جهة أخرى. هكذا يرى فيبر أن جوهر السلطة هو ممارسة العنف، وأن هذا الأخير هو الوسيلة المميزة لها، وأن بينها وبينه علاقة وطيدة وحميمية؛ ذلك أن ما سيبقى في حالة اختفاء العنف من ممارسة الدولة هو الفوضى وضياع مصالح الناس.
وإذا كان العنف هو الوسيلة العادية التي استخدمت من طرف السلطة لدى الجماعات السياسية المختلفة، فإن الدولة المعاصرة هي الوحيدة التي تحتكر العنف المادي المشروع، بحيث لا تسمح لأي فرد أو جماعة ما بممارسته إلا بتفويض منها. وإذا كان للدولة الحق في استعمال العنف، فلأنها في جوهرها، شأن أي تجمع سياسي سابق، ترتكز على علاقة السيطرة والسيادة التي يمارسها الإنسان على الإنسان.
لكن ألا يمكن أن يكون العنف الممارس من قبل الدولة عنفا شرعيا بالنظر إلى القوانين الموضوعة فقط ، والتي قد لا تكون في أساسها مشروعة ومطابقة لما هو حق وعادل؟ وبمعنى آخر؛ ألا يمكن أن يكون تبرير العنف نابع من رغبة القوي في الهيمنة على الضعيف وتحقيق مصالحه على حسابه؟ ثم ألا يمكن قيام حياة خالية من العنف ورافضة له؟ ألا يمكن رفض العنف مبدئيا وبصفة مطلقة؟
هذه التساؤلات تقودنا إلى موقف الزعيم الهندي الرافض للعنف.
2- موقف غاندي: العنف رذيلة وتعبير عن الحقد، وبالتالي فلا مشروعية له.
يتبنى غاندي موقف اللاعنف باعتباره يمثل ذلك الحب أو الإرادة الطيبة تجاه كل الناس. ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لأن وراءه نية من أجل إلحاق الأذى والألم بالآخر، كما أنه تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت الإنسانية من عواقبه الوخيمة. هكذا يدعو غاندي إلى تعميم الصداقة بين كل الناس، ومكافحة العنف والشر بسلاح الذهن والفكر الأخلاقي، وهو ما يقتضي مواجهة العنف بمقاومة روحية تمكن من خلق خيبة أمل لدى الممارس للعنف بأن لا أواجهه بسلاحه من جهة، وتمكن من الرفع من مستواه الإنساني والأخلاقي بأن يصبح هو الآخر رافضا للعنف من جهة أخرى.
انطلاقا من كل هذا فاللاعنف عند غاندي يستمد قوته من الروح؛ إذ يعتبر عقيدة روحية وأخلاقية قبل أن يصبح ممارسة جسدية وسلوكية. وهذا أمر يقتضي رفض العنف رفضا نهائيا ومبدئيا واعتباره رذيلة في ذاته، وأنه القانون الذي يحكم عالم الحيوانات، بينما اللاعنف هو القانون الذي يحكم العالم الإنساني.
مفهوم الحق والعدالة
تقديم إشكالي:
إذا كان مفهوم العدالة صفة لما هو عادل بحيث يحتوي معاني متعددة كالفضيلة الأخلاقية و التصرف وفق القوانين و التشريعات ، مما يجعل العدالة ترتبط بالمؤسسات القانونية و التشريعية التي تنظم العلاقات بين الأفراد كما يرتبط بالقيم الأخلاقية، فإن مفهوم الحق متعدد الدلالات حسب المجال الذي يستخدم فيه، ففي المجال المعرفي المنطقي يفيد الحق الحقيقة و اليقين و الإستدلال السليم أما في المجال الأخلاقي فإنه يفيد العدل و المساواة و الإنصاف مما يجعل مفهوم الحق و العدالة متذاخلين و ينفتحان و يتقاطعان مع مفاهيم أخرى مما يثير مجموعة من الإشكاليات منها:
-هل يتأسس الحق على ما هو طبيعي أم على ما هو قانوني؟
-ما هي طبيعة العلاقة بين الحق و العدالة؟ أيهما يتأسس على الآخر؟
-هل يمكن وجود الحق خارج القوانين و التشريعات؟
-إذا كانت العدالة هي تحقيق للمساواة و الإنصاف فهل تستطيع أن تنصف جميع الأفراد داخل المجتمع؟
الحق الطبيعي و الحق الوضعي
:
هل ترتبط العدالة بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟
نص:طوماس هوبس:
الإشكال:هل للعدالة ارتباط بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟
أطروحة النص: يؤكد طوماس هوبس أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي و تتعارض مع الحق الطبيعي لأن الحق الطبيعي يحتكم إلى القوة و يخضع لتوجيهات الغريزة و الأهواء مما يجعله حقا يقوم على الحرية المطلقة التي تبيح للفرد القيام بكل مامن شأنه أن يحفظ حياته )العدوان ،العنف ، الظلم(أما الحق الوضعي فهو حق يحتكم إلى القوانين و التشريعات المتعاقد عليها و يخضع لتوجيهات العقل مما يجعله يحد من الحرية المطلقة لكنه يضمن حقوق الأفراد و يحقق العدل و المساواة ،و بذلك يخلص هوبس إلى أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي القانوني أي بالحرية المقننة بالقوانين و التشريعات و تتعارض مع الحرية المطلقة التي تستند إلى القوة و الغريزة.
نص: جان جاك روسو:
الإشكال: هل يمكن تحقيق العدالة خارج القوانين أم تشترط الإرتباط بها؟
أطروحة النص: يميز جان جاك روسو بين حالة الطبيعة التي يخضع فيها الأفراد لأهوائهم و رغباتهم بحيث تطغى عليهم الأنانية و الذاتية و يحتكمون إلى قوتهم ، و بين حالة التمدن التي يمتثل فيها الأفراد لتوجيهات العقل و يحتكمون إلى القوانين و التشريعات في إطارغقد اجتماعي يساهم الفرد في تأسيسه و يلتزم باحترامه و طاعته و يمارس حريته في ظله.
إذن فالعقد الاجتماعي يجسد الإرادة العامة التي تعلو على كل الإرادات الفردية، فالإمتثال و الخضوع للعقد الإجتماعي هو خضوع للإرادة الجماعية التي تحقق العدل و المساواة و تضمن الحقوق الطبيعية للأفراد و بذلك فالإمتثال للقوانبن التي شرعها العقد لا تتعارض مع حرية الفرد مادام العقد الإجتماعي هو تجسيد لإرادة الأفراد.
فماهي طبيعة العلاقة بين الحق و العدالة و أيهما أساس الآخر؟
العدالة كأساس الحق:
ماهي طبيعة العلاقة بين العدالة و الحق؟أيهما أساس الآخر؟
إشكال النص: ماهي دلالة العدالة؟ هل تقوم العدالة على أساس الحق و الفضيلة ؟
أطروحة النص: يحدد أرسطو مفهوم العدالة باعتبارها هي التصرف وفق القوانين و التشريعات و تحقيق المساواة في مقابل الظلم الذي يعتبر خرقا للقوانين و منافاة للمساواة ليؤكد أن العدالة هي حد وسط بين الإفراط و التفريط ، و قد اعتمد أرسطو أسلوبا حجاجيا وظف خلاله التقابل و التمييز و التأكيد، فهو يميز بين نوعين من العدالة : عدالة بمفهومها الأخلاقي أي الإمتثال للقوانين و تحقيق الفضيلة الأخلاقية و عدالة بمعنى المساواة و الإنصاف و تنقسم إلى عدالة توزيعية تقوم على توزيع الخبرات الإقتصادية بين الأفراد بالمساواة حسب طاقاتهم و أعمالهم ، و عدالة تعويضية تقوم على تنظيم المعاملات بين الناس على أساس القوانين و التشريعات لمنع الظلم وتصحيح السلوك الذي ينحرف عن القانون ، ليخلص بعد ذلك إلى أن غاية العدالة هي تحقيق الفضيلة باعتبار العدالة أم الفضائل.
نص: باروخ سبينوزا:
الإشكال الذي يجيب عنه النص:
ماهي الغاية من الديموقراطية و هل يمكن اعتبار العدل أساس الحق؟
أطروحة النص: يعتبر سبينوزا أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديموقراطية و هو تحقيق الأمن و السلام للأفراد من خلال الإحتكام للقوانين التي وضعها و شرعها العقل و تم التعاقد عليها ، و بذلك يتم تجاوز قوانين الطبيعة التي تحتكم إلى الشهوة و الغريزة و تستند إلى القوة الفردية مما يؤدي إلى انتشار الفوضى و الظلم و العدوان و الكراهية و الصراع ، فالقانون المدني الذي تجسده الدولة كسلطة عليا هو قانون من وضع العقل و تشريعه، لذلك يجب على الأفراد الإمتثال له و الخضوع له حفاظا على حريتهم و حقوقهم لأنه يجسد العدالة و يسمح بأن يأخد كل ذي حق حقه بذلك تتحقق المساواة و الإنصاف من خلال ضمان حقوق الجميع و عدم التمييز بينهم سواء على اساس طبقي أو عرقي أو جنسي أو غيرهم ؟ إذا كانت العدالة هي تحقيق المساواة و الإنصاف و إعطاء كل ذي حق حقه فهل يمكن تحقيق الإنصاف لجميع الأفراد داخل المجتمع ؟
العدالة بين المساواة و الإنصاف:
إذا كانت العدالة هي تحقيق المساواة فهل يمكن تحقيقه لجميع الأفراد داخل المجتمع؟
نص:أفلاطون:
الإشكال: ماهي دلالة العدالة ؟ كيف يمكن تحقيقها على مستوى الفرد و المجتمع؟
الأطروحة : يبين أفلاطون من خلال تحقيق الإنسجام و التكافل بين قوى النفس القوة العاقلة القوة الغضبية ،القوة الشهوانية.
تتحقق السعادة النفسية إما على المستوى الإجتماعي فالعدالة هي تحقيق الإنسجام و التكامل بين الفئات و الطبقات المكونة للمجتمع الحكام الجنود عامة الناس حين يقوم كل واحد بالوظيفة التي هيأته طبيعته لها دون تذخله في شؤون غيره يتحقق التكامل و الإنسجام فتتحقق العدالة والفضيلة و بذلك تتحقق سعادة الدولة و المدينة.
لكن هل تتحقق المساواة المطلقة بنصف جميع الأفراد ألا يلحق الظلم و الجور في حق البعض؟
نص: ماكس شيلر:
الإشكال : هل المساواة المطلقة إنصاف و عدل أم ظلم و جور؟
أطروحة النص: ينطلق ماكس شيلر من انتقاد الإتجاهات الأخلاقية الحديثة التي تدعو إلى المساواة المطلقة بين الأفراد بغض النظر عن اختلاف طبائعهم و تفاوت قدراتهم و مؤهلاتهم، ليؤكد خلافا لذلك أن المساواة التي تحقق العدل والإنصاف هي التي تراعي اختلاف الناس في الطبائع و التفاوت في القدرات و المؤهلات فهي إعطاء كل ذي حق حقه اعتمادا على قدراته و مؤهلاته و عطائه.
البنية الحجاجية: يعتمد النص آلية النقد و التفنيد فهو ينتقد الإتجاه الأخلاقي الحديث الذي يساوي بين الناس مساواة مطلقة دون مراعاة للإختلافات الطبيعية و التفاوت و التحايز في القدرات و المؤهلات و يؤكد أن هذه المساواة نابعة من حقد وكراهية من طرف الضعفاء و المتخلفين، اتجاه الأقوياء والمتفوقين ليخلص إلى أن المساواة الحقيقية هي التي تحقق الإنصاف اعتمادا على مراعاة الإختلافات و التمايزات بين الأفراد حسب طبائعهم و مؤهلاتهم الفكرية و العقلية و الجسدية.
*** مجزوءة الأخلاق ***
مفهوم الواجب
من المعلوم أن الانسان يتميز عن باقي الموجودات بالعقل، مما يدفع إلى تأسيس علاقته بالغير وفق نظم وقواعد ومعايير ومبادئ قيمية أخلاقية. إن ذلك يجعل الناس ينطلقون في معاملتهم للغير من العمل بمقتضى الواجب، وأن يشعروا، بالتالي، أن مقدار الحقوق يساوي مقدار الواجبات: فالإحساس بأهمية الواجب، يعني بالنسبة لكثير من الناس إمكانية حدوث "أزمة ضمير" أو شعور قوي بالذنب.
هل الواجب ترجمة للإرادة أم أنه إكراه وإلزام؟ 1. الواجب والإكراه
يعتقد كانط، أن الوعي القائم على الإرادة، ليس في حقيقة الأمر إلا احتراما للقانون الأخلاقي، الذي يعمل حتما على إقصاء تأثير الميول على الإرادة. وعلى هذا الأساس، يمكن التأكيد على أن الواجب يتمثل في الفعل الذي ينبثق من الامتثال للقانون الأخلاقي، ويكون بهذا المعنى إكراها عمليا لأنه يعمل على إلغاء الميول. هكذا، يصبح الوعي الذي ينتج عن هذا الإلزام لا يتجه إلى تحقيق لذة، بل، إنه بالعكس، يحمل في ذاته على ألما. من هذا المنطلق، يطالب الواجب باحترام للقانون الأخلاقي الذي يعتبر الشكل الوحيد الموجه للإرادة. ومن ثمة، تكون الضرورة الأخلاقية قائمة على الإلزام والإكراه
إن فهم التمثلات الكانطية، تنطلق من تصوره لحقيقة الإنسان في وجوده الأخلاقي، وهكذا يصبح خضوع الفرد للواجب الأخلاقي فيه احترام لكينونته. هكذا يصير الواجب الأخلاقي واجبا مطلقا .
وعلى خلاف التصور السابق، نجد دفيد هيوم يميز بين نوعين من الواجبات الأخلاقية: واجبات فطرية غريزية، وأخرى وضعية تعاقدية. وتتميز الأولى بأنها عفوية وتلقائية (حب الأطفال، الرأفة بالمحتاجين...). أما الواجبات التعاقدية فهي إرادية عقلية، وتقوم على الإكراه والإلزام لأنها هي التي تضمن سيرورة المجتمع وبقاءه. بل يرى الفيلسوف، أن هذه الواجبات هي التي يجب أن تتحكم وتعمل على توجيه الواجبات الفطرية، خصوصا تلك التي تتأسس على الأنانية والإفراط في الميل إلى الذات
على أية أسس يقوم الوعي الأخلاقي؟ 2. الوعي الأخلاقي
يعتقدروسو أن الإنسان خير بطبعه، ومن ثم أمكن القول بأن الإنسان يملك وعيا فطريا بالعدالة والشعور بالواجب. فالوعي الأخلاقي، إذن، وعي فطري. وما ينجم عن هذا الوعي ليس بأحكام قائمة الذات، وإنما هي أحاسيس توجه الإنسان، وتجعله قادرا على تحديد السلوكيات التي سيتعامل وفقها مع الموضوعات الخارجية .
وبما أن الإنسان، كذلك، اجتماعي بطبعه؛ فإن هذا ما يؤكد يملك أحاسيس فطرية خاصة بالنوع. يتبين، إذن، أن الإنسان ينبعث منه تركيب مزدوج ومركب من الوعي: وعي تتحدد فيه العلاقة مع الذات، والثاني تحدد فيه العلاقة بالآخرين، دون أن يعني ذلك أن هذا الوعي يحمل في ذاته معرفة قبلية عن الخير والشر، إلا أنه قادر على مساعدة الإنسان على التعرف عليهما حين يمثل أحدهما أو كلاهما أمامه. إن حب الخير هو وحده الشعور الفطري، وذلك ما يجعل الفرد ينزع إليه .
وعكس ذلك، يرى فرويد، أن كل ما هو فطري يتجسد في الهو الذي يتسم بالتهور والاندفاع ولا يعير أي اهتمام للسيرورات الأخلاقية. ومن ثم فهو يريد أن تلبى الغرائز فورا دون مراعاة لأي اعتبار. هكذا نجد فرويد، يحدد الوعي الأخلاقي في وظيفة الأنا الأعلى. فهذا الأخير هو الذي يولد عند الإنسان الشعور بالذنب. علما بأن هذا الشعور يوجد لدى الإنسان قبل تشكل الأنا الأعلى إلا أنه يكون تجاه "سلطة خارجية". ومع نمو شخصية الفرد وتمثله لقيم المجتمع وعاداته نتيجة لفعل التربية وتأثير الكبار في سلوكه، يصبح الوازع الأخلاقي (الأنا الأعلى) سلطة نفسية داخلية، تحاسب الأنا/الذات التي تفعل كل ما في وسعها حتى لا تثير غضبه .
إن المقارنة بين روسو وفرويد، تبين أن الأول يتجه إلى تأكيد فطرية الوعي الأخلاقي، في الوقت الذي يرى فيه الثاني أن الوازع الأخلاقي (الأنا الأعلى) ناجم عن تأثير المحيط الاجتماعي، وهذا الاختلاف يدفع بنا إذن إلى التساؤل : ما هي العلاقة الموجودة بين الواجب والمجتمع؟
هل الواجب مسألة ضمير أم قضية مجتمع؟ 3. الواجب والمجتمع
يؤكد دوركايم أن محاولة الإقدام على أي فعل، تجعل الفرد يسلك وفق إرادة صوت يناديه من دواخله، معلنا ما يجب فعله أو اجتنابه. وقد دفع الخيال بعض الشعوب إلى الاعتقاد بأن ذلك الصوت من إيعاز قوى غيبية خارقة، في الوقت الذي يجب فيه أن نؤكد بأن هذا الصوت ترجمة لسلطة المجتمع
فدوركايم يعتقد أن الظواهر الاجتماعية بمثابة أشياء، لا يمكن للفرد أن يتجاهلها دون أن يتعرض لضغطها وإكراهاتها... كما لا يجب أن ننسى أن العلاقات بين الناس تتأسس على "التضامن الآلي" الذي يؤكد أسبقية المجتمع على الفرد، وذلك ما يبين، أن المجتمع إطار أخلاقي يتأسس على التعاضد والتعاون، مما ينجم عنه ميلاد "وعي جمعي" يجسد أن للناس تمثلا مشتركا لوجودهم الاجتماعي .
أما برغسون، فإنه يتفق مبدئيا على أن المجتمع هو الذي يرسم للفرد ممارساته اليومية. لكن الفيلسوف يتوقف ليطرح التساؤل التالي: ما هو المجتمع؟ ليميل نحو تحديده كنسق ينفتح عن الإنسانية. إن هذا من شأنه أن يدفع بالفرد إلى تمثل الواجب في شمولية الفعل الإنساني، ليصبح الواجب الأخلاقي متمثلا في احترام حق الغير في الحياة والتملك، ومن ثمة احترامه في إنسانية. هكذا يصبح الواجب كونيا غير محدد في زمان أو مكان. ولكي نتمثل أهمية ذلك يكفي أن نلاحظ كيف تنتهك إنسانية الإنسان وقت حدوث الحروب .
كتخريج عام، يتضح أن مفهوم الواجب من المفاهيم الأخلاقية الأساسية التي يجب أن يتأملها الفرد ويحاول أن يحددها سواء بالنظر إلى علاقته بذاته، أو علاقته بغيره، خصوصا وأن القيم الإنسانية قد تتوزع بين ما هو محلي يعكس الخصوصية والهوية والانتماء، وبين ما هو كوني شمولي ومشترك بين كافة أفراد الإنسانية. ومن ثمة يجب على الفرد أن يتأمل كيف يمكن أن يمد الجسور بين الخصوصيات الذاتية، والخصوصيات المحلية، وبين أن كل هذا يجسد ما هو مشترك بين الناس . ويتبين بالتالي أن السبيل
نحو الذات يحمل في طياته الشعور بالواجب نحو الغير، والعكس صحيح
مفهوم السعادة
تبدو السعادة في الظاهر مفهوما يتحدد في تحصيل الكماليات، لهذا يعتقد الناس أن الأغنياء هم بالضرورة أناس سعداء. وهذا ما يدفع ذوي النفوس الضعيفة إلى تحصيلها بأية وسيلة. كما أن المرضى يرون السعادة في الصحة، والذي يملكون الصحة يلهثون وراء شيء آخر. وباختصار، فإن عامة الناس لا يرون السعادة إلا فيما ينقصهم. إن هذا ما يدفع إلى إثارة التساؤلات التالية: هل السعادة قابلة للتمثل، وهل يمكن تحديدها في مدلول بعينه؟ هل السعادة ممكنة، وما السبيل إليها؟
1. تمثلات السعــادة
يؤكد أرسطو أن السعادة ليست قدرة فطرية وإلا ملكها الكسالى والخاملون، ولكانت موجودة بالفطرة عند غير الإنسان. وقد يتمثل الناس السعادة في منافع مادية كالصحة والمال ..الخ، وذلك ما يفسر انسياق أفعال الناس نحو هذه الغايات. هكذا يتجه الفعل الإنساني نحو تحقيق غايات توجد خارج الفعل ذاته. ويعتقد أرسطو، على العكس، أن السعادة غاية في ذاتها ومن ثم يكون الفعل المؤدي إليها فعل من أجل ذاته، بهذه الطريقة وحدها يمكن للفعل أن يصبح مرادفا للفضيلة. لكن ليست كل الأفعال التي نأتيها لذاتها تجسد الفضيلة، وتقود إلى السعادة، فاللهو مثلا قد يكون لذاته، ولكنه لا يؤدي إلا الكسل والتهاون.. أما الحياة السعيدة فهي كد واجتهاد واقتصاد، وباختصار هي تلك يحياها الفرد وفقا للفضيلة.
ونجد ألان Alainيؤكد بدوره أن الإنسان لا يجب أن يتوقع حدوث السعادة، بل يجب أن يعمل جاهدا لتحصيلها، وإذا تحققت الغاية التي من أجلها يكد الفرد استطاع أن يتيقن أنه يملك السعادة. فمن الخطإ، إذن، أن نعتقد أن السعادة مفهوم يظل جميلا ما دام مجردا، وأنها تزول بمجرد تحصيلها. إن السعادة لا تحصل بدون إكراهات ومعاناة، وكد وعمل دؤوب. فأسباب بلوغ السعادة تكون دائما مكروهة، لهذا تبدو السعادة في صورة جزاء ومكافأة.
أما كانط فإنه يرى أن لا أحد يستطيع أن يحدد بدقة ما يريده من الحياة، والسبب يرجع إلى أن جميع مكونات السعادة مستمدة من عناصر تجريبية حسية.. ومع ذلك يرى الفيلسوف أن السعادة لا يمكن أن تكون في المال، أو الصحة، أو الثروة، لأنها كلها أمور يمكن أن تزول لحدوث عوارض. ومن هذا المنطلق، يؤكد كانط أن السعادة مثل أعلى idéalللخيال يحاول الإنسان بلوغه دون أن يتمكن من ذلك.
إن التقابل الذي نلمسه بين التصورات السابقة يدفع بنا التساؤل : هل السعادة ممكنة؟ وكيف يمكن السعي إليها؟
2. البحث عن السعادة
يعتقد روسو أن الناس في بداية أمرهم كانوا يعيشون على الضروريات ويرضون بما يأخذونه من الطبيعة لتأمين بقائهم. ثم تعلم الإنسان أن الحياة تكون أكثر ارتياحا لما يتعايش مع الغير، فبدأ يحب الحياة الزوجية ويعشق الأبناء، فتعلم أن حب السعادة هي المحرك الحقيقي للفعل الإنساني. لكن ما أن اتجه إلى إنتاج الكماليات (التي كان الناس يجهلونها في الماضي) حتى فسدت حياته لأنه تحول إلى عبد لها.
وذلك تحديدا ما ألح عليه أبيقور لما بين أن السعادة تحصيل للذة الجسمانية والنفسية، وأن السعادة هي أساس الحياة و غايتها. ولكن ذلك لا يعني أن نأتي اللذات بطريقة اعتباطية، بل إن الصبر والألم أفضل من تحصيل لذة لا يأتيها إلا الفساق. فمن يرضى بشظف العيش ويكتفي بضرورات الحياة وحده يستطيع أن يستمتع بما هو أحسن إن تمكن من تحصيله. ومن هذا المنطلق يتبن أن السعادة في نظر الفيلسوف تدل على تحصيل لذة تبعد الألم والاضطراب عن الجسم والنفس.
أما سينيكا Sénéque فيتفق على أن السعادة هي الغاية التي يسعى إليها الجميع، والاختلاف بين الناس يتمثل في طرق السعي إليها. والمؤكد أنه كلما كانت الهرولة نحو السعادة أشد، كلما كان الابتعاد عنها أكبر. وقد يظن البعض أن أسهل سبيل إلى السعادة هو مجاراة الناس في أفعالهم ومحاكاة تصرفاتهم، لكن المؤكد أن لا أحد يضل دون أن يضل معه آخر. لهذا ينصح الفيلسوف بالابتعاد عن التقليد ومجاراة العامة، لأن السبيل إلى السعادة يكون في اتباع العقل، والاستقلال عن الغير..
إذا كان بلوغ السعادة أمرا مرغوبا فيه، فهل يمكن اعتبارها أمرا واجبا؟
3. السعادة والواجب
يعتقد راسل Russelأن اتباع الموضة وإتيان الهوايات ليسا أساسا لبلوغ السعادة، وإنما وسيلة للهروب وتجسيدا لمحاولة نسيان الألم. فالسعادة لا تكون إلا من خلال الاهتمام بالناس والأشياء، بطريقة لا تسعى إلى التأثير فيهم أو استمالة إعجابهم، أو لامتلاك سلطة عليهم. كما لا يجب أن تقوم أفعالنا نحو الغير على أساس الواجب، لأن هذا الأخير مشروط في العمل وليس في حب الناس. فالحب التلقائي للناس هو مصدر لسعادة الذات وسعادة الغير.
أما ألان Alainفيجزم على أن لا سعادة لمن لا يرغب فيها. لذا يتحتم على الإنسان ألا يستلم للعوائق. بل إنه من الواجب ألا يستسلم المرء دون مقاومة. وعلى كل واحد أن يدرك أن سعادة الذات واجب نحو الغير، فالناس لا يحبون أن يروا الشقاء يحيط بهم، ومن ثمة، فإن السعادة التي نحصلها لأنفسنا هدية نقدمها للغير. لذا يدعونا الفيلسوف إلى أن نجنب الناس شكاوينا وسرد همومنا، وأحزاننا عليهم.. ويؤكد الفيلسوف أنه لا يعلن الحروب إلا من لا يطيق أن يرى الناس سعداء.
كتخريج عام، يتأكد أن مفهوم السعادة يحمل في ذاته معان سامية ونبيلة، وإن اختلف المفكرون في تمثلها. إلا أن المؤكد أن المرء لا تكتمل سعادته إلا إذا وجد من يتقاسم فرحه. كما أننا حينما نكون محاطين بأناس أشقياء يجعلنا ذلك غير قادرين على التعبير عن سعادتنا حتى لا نزيد من شقائهم. وهذا ما يبين، أن على الفرد أن يحاول المساهمة في إسعاد الناس حتى يستمتع بسعادته وسعادتهم. لأن النفوس الخبيثة وحدها تستمتع بآلام الآخرين.
مفهوم الحرية
الحرية
تقديم المفهوم
إن مسألة الحرية تطرح على الدوام بالقياس إلى محدد خارجي. ففي الفكر القديم طرحت مسألة الحرية بالقياس إلى القدرة الإلهية، واليوم تطرح مسألة الحرية قياسا إلى معطيات العلوم الحديثة، سواء الطبيعية منها أو علوم الإنسان.
إن العلم الحديث كان واعدا بمضاعفة مساحة الحرية لدى الإنسان، غير أن تطورات هذا العلم كشفت سلاسل من الحتميات والإكراهات، سواء النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، البيولوجية... المتحكمة في الإنسان والشارطة لحريته. في ظل التحولات التي عرفها الحقل الفكري، لم يعد ممكنا الحديث عن الحرية باعتبارها تصورا مطلقا ومثاليا، بل لابد من استحضار الشروط والحتميات المعيقة للحرية في هذا السياق أو ذاك.
بناء على ما سبق تطرح مسألة الحرية مجموعة من التساؤلات أهمها: هل تتمثل الحرية في خلو الفعل من أي إكراه كيفما كان؟ أم أن غياب قوانين وضوابط هو انتفاء للحرية؟ وبصيغة أخرى: هل الحرية أو الحريات في حاجة إلى ما يضبطها خارجيا؟ أو إلى قانون ينظمها أم هي انبثاق تلقائي لا يخضع إلا لذاته؟
المحاور:
- الحرية والحتمية
- حرية الإرادة
- الحرية والقانون
الحرية والحتمية
تأطير إشكالي :
إذا كانت الحرية قيمة عليا ، يطمح إليها كل فرد أوجماعة .فإن العوائق التي تعرقل وتعيق سير الحرية تدفعنا إلى التساؤل عن علاقة الحرية بالحتمية .
إن الفكر الفلسفي المعاصر اهتم بإشكالية الحرية في علاقتها بالحتمية خصوصاً بعد إقرار العلوم الإنسانية وإجماعها على خضوع الإنسان لسلسلة من الحتميات والإكراهات .ترى ما علاقة الحرية بالحتمية ؟ هل تتعارض الحرية مع الحتمية ، أم أن الوعي بالحتمية هو اتساع لرقعة الحرية .
تصور "عبد الله العروي" :
يعرض عبد الله العروي أسباب انشغال الفكر الراهن ، وبشكل مكثف ،بمسألة الحرية .ويعزو أسباب هذا الانشغال إلى المخاوف التي ولدها التقدم العلمي ، الذي ما فتئ يؤكد على توسيعه لدائرة الحرية الفردية ، فإذا به يقلصها إلى أبعد حد. وأمسى يهدد بتحوله من أداة لفهم الإنسان إلى وسيلة للتحكم والسيطرة عليه .ولتعزيز موقفه وظف العروي أسلوب التقابل ، حيث قابل بين النقاش القروسطوي حول الحرية ، والذي انشغل بإشكالية الجبر والاختيار ومحاولة التوفيق بينهما ، والنقاش الحالي الذي يسعى بدوره إلى التوفيق بين الحتمية العلمية وحرية الوجدان .
إن القول بالحتمية يقلص من دائرة الحرية ، غير أن الوعي بالحتمية يوسع من آفاقها وإمكانياتها .
تصور " كارل بوبر":
ينتقد كارل بوبر الحتمية التي جاءت بها العلوم الإنسانية ، مشبهاً إياها بالقدرية القبلية و منادياً بنزعة لا حتمية ،فإذا كانت العلوم الإنسانية تصر على خضوع الإنسان لسلسة من الإكراهات والمحددات،فإن بوبر يدافع عن النزعة اللاحتمية ؛والتي لا تعني ادعاء امتلاك الإنسان لحرية مطلقة ،فالحرية الإنسانية مرهونة بمحددات أساسية تتجلى في العلم الفيزيائي الطبيعي، العلم العاطفي الوجداني والعلم الفكري. غير أن الإنسان وإن كان خاضعا لهذه المحددات ، فإنه في المقابل يختار،بمحض إرادته، من بين إمكانيات عديدة الإمكانية التي تلائمه.
- يدافع الكاتب عن النزعة اللاحتمية ،والتي ترفض القول بالحتمية المطلقة، وتقر بوجود إكراه ملازم للحرية. وهذا يذكرنا بقول" القديس أوغسطين " :"يمكن أن نكون عبيدا في العالم ومع ذلك نكون أحرارا."
الحرية والإرادة
تأطير إشكالي :
إذا كان التفكير الفلسفي المعاصر انشغل بالحرية في علاقتها بالحتمية انطلاقاً من اشتغاله على نتائج العلوم الإنسانية التي أجمعت على خضوع الإنسان لسلسلة من الحتميات فإن التفكير الفلسفي الحديث انشغل بإشكالية أخرى من إشكالات الحرية، ألا وهي إشكالية الحرية والإرادة . ترى هل أفعال الإنسان من إنتاج إرادته أم أنه ملزم بها ؟
تصور "ديكارت" :
إن الإنسان كائن حر وحريته حسب ديكارت لا تخضع لأي إكراه خارجي، فبإرادته الحرة يختار هذا الفعل أو يحجم عنه . فحرية الإنسان ناتجة عن إرادته المطلقة . غير أن ديكارت يميز بين الحرية الحقيقية، والتي تكمن في القدرة على الاختيار بين أمرين ، والحرية المزيفة التي تنبع من اللامبالاة وتتساوى عندها المتناقضات .
- الإنسان كائن حر ، وحريته تقوم على الإرادة والقدرة على الاختيار وليس اللامبالاة .
تصور" سارتر" :
يتناول سارتر مفهوم الإرادة باعتباره قوة إعدام، أي القدرة على الهدم مع إعادة البناء، إن الحرية خلق وبناء لذلك تفترض الإرادة حرية أصلية وجوهرية لدى الإنسان، معارضاً بذلك موقف العلوم الإنسانية التي حولت الأفراد إلى كائنات عديمة الحرية والفعل وجردتهم من مقوماتهم الإنسانية . إن الحرية هي ماهية الإنسان وهذا هو فحوى الفلسفة الوجودية.
- الإرادة تشترط الحرية ، والحرية هي الماهية الفعلية للإنسان.
الحرية والقانون
تأطير إشكالي :
لم ينحصر اهتمام فلاسفة عصر الأنوار بالحرية في علاقتها بالفرد والمجتمع، بل انصب اهتمامهم أيضاً على علاقة الحرية بالقانون . فإذا كان القانون هو القاعدة الإلزامية التي تفرض سلطتها على الأفراد داخل مجتمع معين. ألا يؤدي الإقرار بسلطة القانون وطابعه الإلزامي إلى نفي حرية الإنسان ؟ هل تتعارض الحرية مع القانون ؟
تصور "طوماس هوبس" :
يقارن هوبس بين الحرية الطبيعية التي تتسم بالفوضى، وتكون باعثاً على الخوف والاقتتال ، والحرية المدنية التي تسير وفق قوانين تعاقدية تضمن لكل فرد حريته شريطة أن لا يخل بحرية الغير والمجتمع . فإذا كانت الحرية الطبيعية تهدد الوجود البشري فإن الحرية المدنية تحميه وتضمن بقاءه .
- إن الحرية الحقيقية هي الحرية التي يمارسها العقل في ظل نظام الدولة ، أما الحرية الطبيعية لا تعدو أن تكون فوضى وخراباً للبشرية .
تصور "بنجمان كونسطان" :
يقدم كونسطان أطروحته التي تتجاوز المعنى القديم والضيق للحرية مبيناً خصائص الحرية المحدثة التي تراهن على حرية الفرد في الفكر والكلام والحركة اعتماداً على قوانين مشروعة تحمي حقوقه الإنسانية الجسمية منها والفكرية ....
- إن الحرية بمعناها الحديث أكثر عمقاً واتساعاً لأنها امتثال للقوانين وتحقيق للحريات
- المحاور:
*** مجزوءة المعرفة ***
مفهوم النظرية والتجربة
يتحدد المجال الإشكالي لمفهوم النظرية والتجربة داخل الحقل الخاص ببناء
النظريات العلمية في العلوم التجريبية. و يطرح هذا الحقل مشكلات
إبستيمولوجية و فلسفية أساسية تتمحور حول علاقات و مفاهيم متوترة مثل:
العقل والواقع، الذات والموضوع، النظرية والتجربة. إذا كان العقل و
التجربة مكونين أساسيين في بناء النظرية العلمية، فما هو الوضع الذي يأخذه
العقل في هذا البناء؟ كيف يواجه العقل عالم التجربة داخل هذا الإشكال
الكانطي حول علاقة العقل بالتجربة يمكن طرح الأسئلة التالية:
+ ما الوضع الذي يأخذه التجريب في بناء النظرية؟
+ هل يشكل التجريب أساس النظرية و منطلقها؟
+ ما معيار علمية نظرية ما؟
+ ما العلاقة إذن بين النظرية و التجربة في المعرفة العلمية؟
أ- التجربة والتجريب:
كلود برنار: يجمع العالم التجريبي بين شروط العلمية و مبادئ
التجربة عندما يخضع الفروض لمبدأ التحقق. فالعلم التجريبي يبني قوانينه
تبعا لخطوات منهجية ونظرية ضرورية.
روني طوم: لا يشكل التجريب العلمي في معناه التقليدي مقوما وحيدا في تفسير الظواهر، بل لابد من اعتبار عنصر الخيال و إدماجه في عملية التجريب. إن الخيال هو تجربة ذهنية تمنح للواقع غنى.
ب- العقلانية العلمية:
ألبير إنشتاين: إن المفاهيم و المبادئ التي يتكون منها النسق النظري للعلم ( الفيزياء مثلا) هي إبداعات حرة للعقل الرياضي و تشكل الجزء الأساسي من النظرية العلمية.
غاستون باشلار: إن العقلانية العلمية المعاصرة هي عقلانية فلسفية مطبقة
تقوم على يقين مزدوج يوجه النشاط العلمي التجريبي و يجعله مشروطا بحوار
جدلي بين ما هو عقلي و ما هو واقعي.
ج- معايير علمية النظريات العلمية:
تويليي: إن الذي يضفي على نظرية علمية ما قوتها العلمية وتماسكها
المنطقي هو تلك الفروض الإضافية و الاختبارات المتعددة التي تخرج النظرية
من عزلتها و تربطها بنظريات أخرى.
كارل بوبر: إن النظرية العلمية التجريبية الأصلية هي التي تستطيع أن تقدم
الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها و تبرز نقط ضعفها، و تخضع، بصفة
قبلية، فروضها لمعيار القابلية للتنفيذ أو التكذيب.
مفاهيم و علاقات:
تأخذ التجربة، في مجال العلم، دلالة خاصة، إنها لحظة مصطنعة و موجهة
بأسئلة و مؤطرة بفروض نظرية: إنها تجريب يتطلب من العالم أن يكون ملما
بمجموعة من الشروط و المبادئ المنهجية و النظرية. إن التجريب هو عبارة عن خطاطة نظرية مثلى، إذا اشتغل العالم بمقتضاها، فإنه يتوصل إلى معرفة
القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية. لكن هذا المجهود الذي يقوم به
العالم لتفسير الظواهر لا يبقى سجين خطوات المنهج التجريبي في صورته
الكلاسيكية، لأن العالم يصوغ فرضياته ضمن إشكالية علمية و نظرية توجه
أسئلته، فيبدع كيانات خيالية يستطيع التأكد منها في ذهنه و ليس دائما في الواقع.
من الخطأ الاعتقاد أن التجربة مجرد ملاحظة للواقع ، و أن نظرية تأمل ذهني
خالص، فالمفاهيم و المبادئ المكونة للأنساق العلمية هي كيانات يبدعها
العقل البشري، وتشكل الجزء الأساسي في النظرية، لذلك يمكن القول إن
العقلانية العلمية هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و أدواتها من العقل
الرياضي، ومن ثمة يكون المعطيات التجريبية تابعة للعقل.
غير أن العقل الذي يتخلص من هيمنة الواقع و من حبال التجربة، لابد له من أن يعود إليها لإضاءتها بأدوات و مناهج. لم تعد التجربة، كما تصورها
النزعة الاختبارية، تتحكم في البناء النظري للعلم، كما لم يعد العقل، كما تصورته النزعة العقلانية المغلقة، مكتفيا بذاته و معزولا عن الواقع. إن العقلانية العلمية هي عقلانية فلسفية مطبقة، إذ لا يمكننا فهم عمل العلم و إدراك قيمته الفلسفية إلا في ضوء فهم العلاقة الجدلية بين العقل و الواقع.
ففي عالم تتصارع فيه النظريات، يحاول العالم أن يبني نظريته بين نظريات
علمية أخرى، لذلك تلتجئ النظرية إلى الفروض الإضافية و الاختبارات
المتكررة لتحافظ من جهة على تماسكها المنطقي الداخلي، و لكي تخرج أيضا من عزلتها بانفتاحها على فروض نظرية جديدة. إن تعدد الاختيارات هو معيار علمية النظرية و علامة قوتها.
غير أن الطابع التركيبي و الشامل للنظرية يجعل من المتعذر التحقق من صدقها أو كذبها بواسطة التجربة، لذلك فمعيار الحكم على علمية نظرية ما هو قابلية منطوقها و بنائها النظري للتنفيذ أو التكذيب. فعلى النظرية العلمية الأصيلة أن تقدم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها. عليها أن تكون معرضة للخطأ و التكذيب أفضل من أن تكون في يقين دائم . فلا علم بدون أخطاء.
تركيب:
• إن تأمل تاريخ اشتغال مفهومي النظرية و التجربة في العلم
التجريبي، بالرغم من إدراكنا لبعض علاقات التوتر و الصراع بينهما، يكشف لنا عن تداخلهما و تكاملهما الضروريين، فهما يكونان معا النظرية العلمية التجريبية.
• ساهم الحوار بين النظرية و التجربة في العلم في إعادة صياغة مفاهيم
فلسفية و علمية أساسية مثل مفاهيم: العقل و الواقع، و الذات، و الموضوع، و التجربة، و الخطأ، و الكذب، و اليقين...
• لا وجود لنظرية علمية عقلية خالصة، ولا وجود لتجربة مستقلة عن العقل.
• إن انغلاق النظرية على ذاتها هو فناؤها، كما أن انغلاق العقل على ذاته هو عزلته و
نهايته.
مسألة العلمية في العلوم الانسانية
مسألة العلمية في العلوم الإنسانية
ما طبيعة العلوم الإنسانية؟ هل يمكن تحقيق علمية بخصوص موضوع الإنسان وهو الكائن الذي يتميز بخصائص تجعله كائنا فريدا مختلفا كل الاختلاف عن المادة بجميع أنواعها؟ كيق يمكن تحقيق علمية بكائن يتميز بالوعي والرغبة والإرادة والخيال؟
تعرف العلوم الإنسانية عموما بكونها العلوم التي تتخذ الإنسان موضوعا لها، ولقد نشأت متأخرة تاريخيا مقارنة بالعلوم الحقة.
المحور الأول: موضعة الظاهرة الإنسانية:
- هل يمكن اعتبار الإنسان موضوعا للدراسة العلمية؟ هل يمكن تطبيق منهج صارم على الإنسان قياسا لما يتم في العلوم التجريبية؟
جواب 1: أوجست كونت: من الممكن أن يصبح علم الاجتماع مثلا علما حقيقيا، ولذلك يمكن اعتباره "فيزياء اجتماعية"، ويدل هذا النعت على إمكانية استعمال المنهج التجريبي كما هو الشأن في الفيزياء والحصول على نتائج يقينية...
جواب 2: إميل دوركايم: من الممكن دراسة الظاهرة الاجتماعية دراسة علمية وفق "قواعد منهجية" خاصة بعلم الاجتماع مثلا، والحصول على نتائج جد مقنعة كما تم ذلك في دراسة ظاهرة الانتحار من طرف دوركايم نفسه.
يعبر هذا الموقف عن نزعة علمية هي موضع جدال بين المتخصصين في هذا المجال وذلك لخصوصية الظاهرة الاجتماعية مقارنة بالظاهرة الطبيعية.
* نقد النزعة العلمية في العلوم الإنسانية:
- جان بياجي: توجد عدة عوائق تعترض تحقيق العلمية في العلوم الإنسانية تتعلق بطبيعة موضوعاها. فالعلوم الإنسانية تتميز بخصوصية تتمثل في كون الذات الملاحِظة تلاحظ ذاتها (الذات الأخرى موضوع الدراسة)، مقارنة بانفصال الذات عن الموضوع (على الأقل بشكل عام) في العلوم التجريبية. يتعلق الأمر بتداخل الذات والموضوع إضافة إلى التزام الباحث بمواقف فلسفية وإيديولوجية.
- وهو الأمر الذي يشدد عليه أيضا فرانسوا باستيان: لا يمكن للباحث الاجتماعي أن ينفصل كباحث عن مجتمعه كموضوع للبحث لأنه ينخرط رغما عنه، بفعل إكراهية وقسرية الظاهرة الاجتماعية في مواقف وصراعات ومعتقدات مجتمعه.
يقول نوربرت إلياس موضحا هذا الإشكال: "لا نحتاج لكي نفهم جزئية من جزئيات الذرة أن نحس بأنفسنا كما لو كنا ذرة من الذرات، لكن للنفاذ إلى داخل التجربة الجماعية والفردية ولفهم نمط اشتغال الجماعات البشرية لا بد من مشاركة وانخراط فعالين في هذه التجارب".
تعليق: يبين هذا القول الفرق الجوهري الذي لا يمكن تخطيه بين موضوع العلوم التجريبية وموضوع العلوم الإنسانية.
ونفس الأمر نجده قبل ذلك عند أحد كبار الأنتروبولوجيين، وأب الأنتربولوجية البنيوية كلود ليفي ستروس الذي يعتبر الوعي العائق الرئيسي لتحقيق علمية في العلوم الإنسانية شبيهة بالعلمية المحققة في العلوم التجريبية، وهذا يتأسس على ثنائية الذات والموضوع المميزة لعلوم الإنسان.
يقول: "إذا كانت العلوم الإنسانية علوما بالفعل، فينبغي عليها أن تحافظ على ثنائية الملاحِظ والموضوع الملاحَظ، وأن تعمل على نقلها إلى داخل الإنسان. وإن أرادت هذه العلوم الإنسانية أن تتخذ من العلوم الحقة نموذجا لها، فلا ينبغي أن تتخذ الناس الذين تلاحظهم موضوعا لتجربتها وحسب، بل ينبغي أيضا أن لا يشعر هؤلاء الناس بأنهم موضوعات للتجربة، وإلا غير حضور وعيهم مسار التجربة بطريقة غير مرئية، وهكذا يبدو أن الوعي هو بمثابة العدو الخفي لعلوم الإنسان".
المحور الثاني: التفسير والفهم في العلوم الإنسانية:
- إذا كانت العلوم الحقة تقوم بعمليتي التفسير والتنبؤ فهل بإمكان العلوم الإنسانية القيام بذلك أيضا؟
- جواب 1: ك.ل.ستروس: يصعب استعمال التفسير والتنبؤ في العلوم الإنسانية لأن موضوعها لا يقبل الاختزال إلى شيء، لذلك تظل العلوم الإنسانية تتأرجح بين التفسير والتنبؤ من جهة، والفعالية الذاتية للباحث من جهة أخرى.
- جواب 2: ف.دلتاي: تستعمل العلوم الإنسانية الفهم بدل التفسير، وطبيعتها تمنعها من قبول المنهج التجريبي لأن استيراده إليها من خارجها يعني تحويلها إلى شيء وطمس خصوصيتها وتميزها ببعدها الإنساني. يجب إبداع منهج ملائم للعلوم الإنسانية من العلوم الإنسانية ووفق احتياجاتها واحترام مميزاتها.
- إذن: لا يصلح التفسير ولا التنبؤ لغياب الضرورة والحتمية والثبات والتكرار مثلما هو الأمر في عالم الأشياء الطبيعية، ويحل الفهم كبديل يدل منذ المنطلق على تعامل الوعي مع الوعي كموضوع، ومع الذاتية كمكون موضوعي وليس ذاتيا. ("نفسر الطبيعة ونفهم الحياة النفسية" يقول دلتاي)
تطبيقات:
- نص لكلود ليفي ستروس. (ثنائية الذات والموضوع في العلوم الإنسانية ومشكلة الوعي كعائق أمام العلمية)
- نص لكارل بوبر: (النسبية واستحالة التعميم والتجربة في العلوم الإنسانية إضافة على العمل بالماهيات كمميزات للعلوم الإنسانية)
- نص لفرونْد: (يجب طرح مسألة العلمية من منظور ابستمولوجي: علاقة الواقع بالمعرفة)
المحور الثالث: نموذجية العلوم التجريبية:
فرضت مسألة العلمية في العلوم التجريبية وأسبقيتها التاريخية ونموذجيتها بالنسبة للفكر الإنساني الموضوعي، والبحث عن موضوعية مشابهة في علوم الإنسان إضافة على سيادة النزعة العلموية والاختبارية والموضوعية إلى تبني نموذج العلمية في العلوم التجريبية كنموذج مطلق. لكن العوائق التي ترتبت عن هذا الاختيار من تشويه لطبيعة الموضوع المدروس، وانحرافات منهجية وعم التوصل إلى موقف أو نتيجة موحدة فرضت التشكيك بل والتراجع عن هذا الاختيار.
يمكن المقارنة بين موقفين متعارضين في هذا الصدد: موقف مؤيد لاتخاذ المنهج التجريبي كمنهج للعلوم الإنسانية مع بعض التعديلات الطفيفة التي تفرض نفسها، وموقف معارض لهذا الاختيار بحجة أن الإنسان يدرس ككل متكامل وأته كائن لا يمكن التعامل معه إلا من منطلق المعنى والقصد والقصدية والتأويل والشعور واللاشعور والأخلاق...
الموقف الأول: حسب "طولرا" و"وارنيي" تتوحد الذات بالموضوع في علوم الإنسان، ويصبح الملاحِظ ملاحَظا في نفس الوقت مما يدع مجالا كبيرا للشك في مصداقية النتائج المحصل عليها، لكن إذا تأملنا في ما يميز الفيزياء المعاصرة من تداخل بين الذات الباحثة والموضوع المبحوث بسبب عدم إمكانية اعتماد التجربة العلمية الكلاسيكية لطبيعة الموضوع اللامتناهي الصغر، وهو الأمر الذي لا يقلل من علمية النتائج المحصل عليها رغم تدخل الذات الباحثة، فإن تداخل الذات والموضوع في العلوم الإنسانية لا يصبح عائقا أمام العلمية، مادام هذا النموذج من العلاقة أصبح موجودا في العلوم التجريبية نفسها وهي النموذج المحتذى.
لكن ميرلوبونتي، يعارض هذا الموقف بشكل صارم معتمدا على أن الإنسان هو مصدر المعنى، وهو الوحيد في الكون المتميز بالتفرد والأصالة وأنه غير للاختزال إلى الخلايا المكونة لجسمه، أو إلى مكونات الإنسان الكلاسيكية مثل العقل والسياسة والاجتماع... ولست ظاهرة واعية منفصلة عن مكوناتها الأخرى مثل الغرائز والمكونات اللاعقلية واللاواعية.. . ليس بوسع أي علم أن يستغرق وحده دراسة الإنسان... لأنه كل لا يتجزأ، وهو المنبع لكل ما عداه وما يكونه، وباعتباره كذلك لا يمكن إعادة تشكيل حياته بعد وحصر ودراسة مكوناته...
مفهوم الحقيقة
مقدمة
ما طبيعة العلوم الإنسانية؟ هل يمكن تحقيق علمية بخصوص موضوع الإنسان وهو الكائن الذي يتميز بخصائص تجعله كائنا فريدا مختلفا كل الاختلاف عن المادة بجميع أنواعها؟ كيق يمكن تحقيق علمية بكائن يتميز بالوعي والرغبة والإرادة والخيال؟
تعرف العلوم الإنسانية عموما بكونها العلوم التي تتخذ الإنسان موضوعا لها، ولقد نشأت متأخرة تاريخيا مقارنة بالعلوم الحقة
المحور الأول: موضعة الظاهرة الإنسانية
- هل يمكن اعتبار الإنسان موضوعا للدراسة العلمية؟ هل يمكن تطبيق منهج صارم على الإنسان قياسا لما يتم في العلوم التجريبية؟
جواب 1: أوجست كونت: من الممكن أن يصبح علم الاجتماع مثلا علما حقيقيا، ولذلك يمكن اعتباره "فيزياء اجتماعية"، ويدل هذا النعت على إمكانية استعمال المنهج التجريبي كما هو الشأن في الفيزياء والحصول على نتائج يقينية...
جواب 2: إميل دوركايم: من الممكن دراسة الظاهرة الاجتماعية دراسة علمية وفق "قواعد منهجية" خاصة بعلم الاجتماع مثلا، والحصول على نتائج جد مقنعة كما تم ذلك في دراسة ظاهرة الانتحار من طرف دوركايم نفسه.
يعبر هذا الموقف عن نزعة علمية هي موضع جدال بين المتخصصين في هذا المجال وذلك لخصوصية الظاهرة الاجتماعية مقارنة بالظاهرة الطبيعية.
نقد النزعة العلمية في العلوم الإنسانية
3/جان بياجي: توجد عدة عوائق تعترض تحقيق العلمية في العلوم الإنسانية تتعلق بطبيعة موضوعاها. فالعلوم الإنسانية تتميز بخصوصية تتمثل في كون الذات الملاحِظة تلاحظ ذاتها (الذات الأخرى موضوع الدراسة)، مقارنة بانفصال الذات عن الموضوع (على الأقل بشكل عام) في العلوم التجريبية. يتعلق الأمر بتداخل الذات والموضوع إضافة إلى التزام الباحث بمواقف فلسفية وإيديولوجية.
وهو الأمر الذي يشدد عليه أيضا
4/ فرانسوا باستيان: لا يمكن للباحث الاجتماعي أن ينفصل كباحث عن مجتمعه كموضوع للبحث لأنه ينخرط رغما عنه، بفعل إكراهية وقسرية الظاهرة الاجتماعية في مواقف وصراعات ومعتقدات مجتمعه.
5/يقول نوربرت إلياس موضحا هذا الإشكال: "لا نحتاج لكي نفهم جزئية من جزئيات الذرة أن نحس بأنفسنا كما لو كنا ذرة من الذرات، لكن للنفاذ إلى داخل التجربة الجماعية والفردية ولفهم نمط اشتغال الجماعات البشرية لا بد من مشاركة وانخراط فعالين في هذه التجارب".
تعليق: يبين هذا القول الفرق الجوهري الذي لا يمكن تخطيه بين موضوع العلوم التجريبية وموضوع العلوم الإنسانية.
ونفس الأمر نجده قبل ذلك عند أحد كبار الأنتروبولوجيين، وأب الأنتربولوجية البنيوية كلود ليفي ستروس الذي يعتبر الوعي العائق الرئيسي لتحقيق علمية في العلوم الإنسانية شبيهة بالعلمية المحققة في العلوم التجريبية، وهذا يتأسس على ثنائية الذات والموضوع المميزة لعلوم الإنسان
المحور الثاني: التفسير والفهم في العلوم الإنسانية
هل تتحدد وظيفة النظرية العلمية في مجال العلوم الإنسانية في الفهم أم في التفسير ؟
1/يرى جيل غاستون غرانجي أن النظريات العلمية في مجال العلوم الإنسانية تتشكل في صورة أبنية عقلية يتراوح نشاط العقل فيها بين نموذجين معرفيين׃ التفسير باعتباره كشفا موضوعيا للعلاقات السببية القائمة بين الحوادث الإنسانية و الفهم بوصفه نشاطا عقليا تأويليا يستخلص الدلالات و القيم.
2/أما دلتاي فيرى أن الفرق البين بين موضوع العلوم الطبيعية و موضوع العلوم الإنسانية يفرض على العلوم الإنسانية منهجا بلائم موضوعها، و هو المنهج القائم على الفهم.
3/يبين ستروس انه إذا كانت العلوم الحقة حققت تقدما بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ،فان وضع العلوم الإنسانية لا زال يتأرجح بين التفسير والتنبؤ، بل إنها علوم محكوم عليها بان تظل في وسط الطريق ׃ بين التفسير والتنبؤ.
4/ينتقد مونرو أيضا النزعة الوضعية. و يمنح للفهم قيمة اساسية في استخلاص معاني و دلالات الظاهرة الإنسانية. و يرى أن الفهم يتميز بالبداهة و الوضوح. قائلا ׃ " الفهم هو بداهة مباشرة في حين أن التفسير هو تبرير أو تعليل حدوث ظاهرة ما بافتراض ظاهرة أخرى".
المحور الثالث : مسألة نموذجية العلوم الانسانية:
أي نموذج للعلمية في العلوم الإنسانية ؟
1/يرى ميرلوبونتي بان المعرفة العلمية الوضعية تجاهلت أهمية تجربة الذات في العالم .تلك التجربة المعيشية التي تشكل أساس المعرفة بدواتنا و بالعالم .فالذات هي المصدر المطلق لكل معرفة .
2/و من هنا فان ميرلوبونتي يشكك في قدرة المعرفة الموضوعية على النفاذ إلى عمق الوجود الإنساني .فالمعرفة الموضوعية تشييء الإنسان وتجزؤه و تتجاهل تجربته الذاتية التي هي أساس وجوده الموضوعي .ولهذه الأسباب يدعو ميرلوبونتي إلى القطيعة التامة مع نموذج العلوم التجريبية في ميدان العلوم الإنسانية .
3/أما دوركهايم فيرى أن الظواهر الاجتماعية يجب أن تدرس كأشياء ،و هو بذلك يدعو إلى محاكاة النموذج العلمي الموجود في ميدان العلوم التجريبية .ومن هنا قوله "يجب أن يضع عالم الاجتماع نفسه في وضع فكري شبيه بالوضع الذي يكون عليه الفيزيائيون و الكيميائيون و الفيزيولوجيون حينما ينخرطون في استكشاف منطقة مجهولة عن ميدانهم العلمي "
4/و يؤكد لاديير على ضرورة التفاعل مع نموذج العلوم التجريبية بالشكل الذي يحقق الموضوعية و لا يلغي فاعلية الذات ،لأنه إذا اخترنا تناول الوقائع الاجتماعية بوصفها أشياء فإننا بذلك سننفي من مجال المعرفة الإنسانية كل ما يتصل بالقيم و الغايات و المقاصد ...و إذا ما اخترنا تناول الوقائع الإنسانية بوصفها أشخاصا سقطنا في منظور ذات
5/يعتبر إدغار موران أن السوسيولوجية الإنشائية هو نمط من أنماط الخطاب السوسيولوجي المعاصر، لكنه لم يتحرر بعد من الثقل الميتافيزيقي والتأمل الأخلاقي، بل أنه لا زال محتفظا بالنظر التأملي في جوهر الموجودات ، فهو يفترض وجود ذوات أو قوى فاعلة تساهم وتؤثر في الظاهرة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق فلا يمكن اعتماده على النموذج الفيزيائي وبالتالي على المنهج العلمي مما يجعله يفتقر إلى الموضوعية
Click to set custom HTML